27 - 08 - 2024

مؤشرات | (رغيف العيش) .. أمن اجتماعي وغذائي

مؤشرات | (رغيف العيش) .. أمن اجتماعي وغذائي

ستظل قضية الخبز المدعوم (رغيف العيش)، الأهم بين مكونات الدعم للمواطنين، خصوصًا أنه يمثل أهم عنصر غذائي للمصريين، ويمثل البند الأساسي في وجبات المصريين عموما، وبين الأغلبية الساحقة من الشعب.

وأي حوار حول الأفكار المطروح لتحويل الدعم العيني إلى نقدي لابد أن يتم بدقة شديدة جدًا، ودون عجلة لتتخلص الحكومة من الدعم العيني، وذلك في ضوء بعض التجارب، والتي تم تفريغها من مضمونها بسبب معدلات التضخم العالية، ولم تعد قيمة الدعم النقدي لها قيمة في ظل إرتفاعات الأسعار.

ومن المهم تقييم تجربة الدعم السلعي (النقدي حاليا)، والوضع الواقعي لكمية السلع، في ضوء تآكلها مع الإرتفاع المستمر للسلع، مع تقييم قيمة ما تقدمه الحكومة من دعم تحت برنامج (تكافل وكرامة)، وما تمثله حاليا من قيمة قياسًا، على مستويات التضخم الحقيقية في السوقِ.

ويبدو أن الحكومة جادة في تنفيذ ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء بأن الحكومة تدرس مقترحًا خاصًّا باستبدال الدعم العيني الحالي بمبلغ نقديّ يصرف شهريًّا.

إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، فالأهم هو إخضاع القضية برمتها للدراسة، وحوار حقيقي وفعال، دون حاجة للعجلة.

وفي دراسة تحليلية مهمة مختصرة لموجز (عدسة) بمركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، نوهت إلى أن منظومة الدعم المصري تجمع بالفعل بين الدعم السلعي والنقدي، ولكن توجد مشاكل جوهرية في تطبيقهما تجعل من التحول السريع والحصري نحو الإعانات النقدية تهديدًا لقدرة الفئات الفقيرة والشرائح المتوسطة على توفير الغذاء.

والواقع في رأي البعض أن المساعدات المشروطة، هي بمثابة تضييق على المصريين، وبقراءة لبرنامج (تكافل وكرمة)، ففعلا تقدم الدولة الدعم النقدي في شكل معاش شهري يوفر مساعدات مشروطة تستهدف الأسر الأكثر احتياجًا، وقد ساعد الدعم النقدي نسبة صغيرة من الفقراء وقد يكون له دور في الحد من تفاقم نسب الفقر .. ولكن بشكل محدود.

وفي تحليل إقتصادي لواقع دعم تكافل وكرامة، - وفقا لرؤية الدراسة - فيوفر البرنامج حوالي 620 إلى 740 جنيهًا للأسرة في الشهر، وبناءً على خط الفقر المدقع الذي حدده بحث الدخل والإنفاق منذ خمس سنوات عند 550 جنيهًا للفرد، يجب أن يصل المبلغ إلى 2200 جنيه على الأقل، وهو ما يعني وجود فجوة بحوالي ضعف مبالغ دعم تكافل وكرامة.

وبالرغم من ذلك لن تواكب موجة التضخم الهائلة في أسعار الطعام والشراب إذا استمرت والتي وصلت  73.6% في سبتمبر 2023 مقارنة بنفس الشهر عام 2022، فسيظل عدد المستفيدين من برامج الحماية الحالية أقل من المواطنين الواقعين تحت خط الفقر، بالإضافة إلى مشاكل خاصة بتطبيقات الاستهداف للفئات المستحقة.

والبعض يرى أن سياسة الدعم النقدي لم تنجح في رفع مستوى معيشة الأسر المستهدفة أو تحسين شبكة الأمان الاجتماعي بشكل عام، خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية الحالية، وهو ما زاد اعتماد السكان على الخبز المدعوم الذي لا يكلف الحكومة كثيرًا على خلاف التصريحات الرسمية، حتى تجربة تحويل الزائد من الدعم للخبز لنقاط لشراء سلع والذي بدأ قبل عشر سنوات، تآكلت مع التضخم.

ومن هنا فإن الخبز المدعم هو بمثابة أمان اجتماعي، بل يمنع الدعم السلعي توسيع دائرة الفقر والجوع خصوصًا أن رغيف الخبز هو العمود الأساسي في حصول أغلب المصريين على سعراتهم الحرارية المطلوبة.

ومن المهم جدا، وعند دراسة رغبة الحكومة في تحويل الدعم العيني للخبز إلى دعم نقدي بمبلغ شهريا، الدقة في حسابات معدلات التضخم، وعدم تآكل قيمته، وهو ما حدث في الدعم السلعي، خصوصًا أن شريحة كبيرة من السكان تعتمد على الخبز المدعم ومِنهم مَن هم على حافة الفقر وشرائح من الطبقة الوسطى التي تعد أكثر الفئات تضررًا من رفع الدعم السلعي وهم غير مستحقين للإعانة النقدية في ظل تطبيقاتها الحالية.

ووفقا لعلوم التغذية لا تقتصر قيمة العيش البلدي على توفير سعرات حرارية  للمواطنين، فقد استخدمت الحكومة الخبز الذي يستهلكه ملايين المصريين كوسيلة لمعالجة سوء التغذية الناتج من نقص المغذيات الدقيقة عن طريق دعمه بالحديد وحمض الفوليك لتحسين مستويات فقر الدم.

والسؤال المهم ما الحل.. إذا كانت الحكومة تبحث عن حل للفقر والحد من الإفقار؟..

الإجابة التي من وجهة نظر متخصصين وما طرحته دراسة (عدسة)، .. يجب عدم استعجال إلغاء الدعم السلعي، فهي سياسة من شأنها توسيع دائرة المحرومين، مقابل برامج إعانات نقدية محدودة لا تعالج الأزمة بشكل هيكلي، ولا بد في ظل الظروف الاقتصادية الحالية أن تقوم الحكومة بتوسيع الدعم السلعي ليشمل سلعًا غذائية أخرى تحسن مستويات التغذية لدى المصريين لا إلغاؤها.

ومن المقترحات التي من المهم دراستها ..ضرورة البحث في إمكان تنفيذ الدخل الأساسي الشامل كمنظومة دعم من خلال تقديم معونات شهرية إلى كل المواطنين، ولا بد أن يصاحب ذلك إصلاح نظام الضرائب لضمان مساهمة أكبر من الشرائح الأكثر دخلًا من أجل تمويل الدخل الأساسي الشامل، خصوصًا وأن تكلفتة ليست بالمستحيلة، وتقارب تكلفة هذا النظام الاجتماعي ما تتحمله موازنة الدولة حاليًّا من مصروفات على الدعم.

الواقع يستلزم عدم تجاهل متخذي القرار في بلادنا مثل تلك المقترحات والتعامل مع كل اجتهاد بجدية في ظل خفض مستويات الأجور في القطاعات الأكثر تشغيلًا للمصريين، خصوصا في الزراعة والحرف البسيطة وأصحاب الحيازات الصغيرة والعمال الموسميين.

وعن نفسي أؤيد الإبقاء على الدعم العيني والنظر في تطبيق الدخل الأساسي الشامل كحل جذري للفقر في مصر.

فالفقراء ومحدودو الدخل في بلادنا بحاجة إلى نظرة، ولا يجب التعامل كسقط متاع، وأن صوتهم ضعيف .. فالتاريخ سيحاسب من يتخلي عنهم.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | قرارات ملغومة من وزير التعليم